الاثنين، 2 يناير 2017

بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم

 الطباق والإيجاز والإطناب:

 واعتبر هذا الأصل بما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما أراد أَن يَكتب إلى  مَلك فارس اختار أسهل الألفاظ وأَوضحها فقال:
"من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلامٌ على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوكَ بدِعايةِ الله، فإني أنا رسول الله إلى الخلق كافَّة لينذر من كان حيا ويحِق القولُ على الكافرين، فأسلمْ تسلم، فإِن أَبيْتَ فإِثمُ المجوس عليك ".
وحين أراد أَن يكتب إلى أُكيدر صاحبِ دومة الجندل فَخَّم الأَلفاظ وأتى بالجزْل النادر فقال:
" من محمد رسول الله لأُكيدر حين أَجاب إلى الإِسلام وخلع الأَنداد والأَصنام إن لنا الضَاحيةَ[3]  من البَعْل [4]والبُور [5] والمَعامى [6] وأغفال الأَرض [7] والْحَلقةَ [8] والسلاح، ولكم الضَّامنةُ من النَخل [9]والمعين [10] من المعمور، لا تُعدل سارحتكم [11]، ولا تُعَدُّ فاردتُكم [12] ولا يحظَرُ عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقَتها وتؤدون الزكاة، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه".
وتكون مطابقة الكلام لمقتضى الحال أيضاً فما يتصرف فيه القائل من إيجاز وإطناب: فللإيجاز مواطنه، وللإطناب مواقعه، كل ذلك على حسب حال السامع  وعلى مقتضى مواطن القول؛ فالذكي الذي تكفيه اللمحة يحسن له الإيجاز، والغبي  أو المكابر يجمل عند خطابه الإطناب والإسهاب.
وإذا تأملت القرآن الكريم رأيته إذا خاطب العرب والأعراب أوجز كلَ الإيجاز، وأخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي، وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم أسهب وأطنب فمما خاطب به أهل مكة قوله تعالى: { إنَّ الذِين تدْعُون مِنْ دونِ اللهِ لَنْ يخْلُفوا ذُباباً ولَو اجْتَمعُوا لَهُ، وإنْ يسْلُبهُمُ الذبابُ شَيئاً لا يستنْقذوهُ مِنْهُ، ضَعُف الطَّالب والمطلوبُ }.
وقلما تَجدُ خِطاباً لبني إِسرائيل إلا وهو مسهب مطول، لأن يهودَ المدينة كانوا يرون أنفسهم أهل علم وأهل كتاب فتجاوزوا الحد في المكابرة والعناد، وقد يكون القرآن الكريم نزَّلهم منزلة قصار العقول أطنب في الحديث إليهم، ويشهد لهذا الرأي ما حكاه عنهم وعن مقدار معرفتهم بما في أسفارهم.
وللإيجاز مواطن يحسن فيها، كالشكر والاعتذار والتعزية والعتاب إلى غير ذلك، وللإطناب مواضع كالتهنئة والصلح بين فريقين والقَصص والخطابة في أمر من الأمور العامة، وللذوق السليم القولُ الفصل في هذه الشئون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليق

السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:

  بسم الله الرحمن الرحيم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:  ...