الجمعة، 10 فبراير 2017

الاستماعُ الناقدُ والعولمةُ المعلوماتيةُ (لمحمد زين العابدين علي عميرة)


الاستماعُ الناقدُ والعولمةُ المعلوماتيةُ: (محمد زين العابدين علي حنفي عميرة ).
          العولمة في مظهرها الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار بثروات العالم من خلال مواده الأولية وأسواقه على حساب الشعوب الفقيرة، واحتواء المركز للأطراف التي حاولت الفكاك منه في الخمسينيات والستينيات إبان حركة التحرر الوطني، ثم تعثرت في بناء الدول الوطنية، فأراد المركز وراثتها من جديد تحت أحد أشكال الهيمنة، وهو العولمة، وكأنها لم تخرج من الاستعمار إلا كي تعود إليه من جديد، نادمة على مناهضته ومقاومته والاستقلال عنه.([1])
           والعولمة الاقتصادية تؤدي في النهاية إلى (التركيز والتهميش) التركيز في الدول الصناعية الكبرى، والفقر والتبعية والتهميش للأطراف. فالعولمة تتطلب الدول الرخوة، وليس الدول القوية الوطنية المستقلة.([2]) وعلى الرغم من أن إسرائيل جزء من النظام الاقتصادي الغربي إلا أنها تتمسك بإرادتها المستقلة، تستفيد من العولمة دون أن تكون ضحيتها.([3])
          والعولمة لها ثقافتها، وهي غير مكتوبة، قيمها مبثوثة عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، بل وعبر أساليب الحياة اليومية في الطعام والشراب والكساء والمواصلات والهاتف والتلفاز ونظم التعليم وفرص العلم، والمعرفة باللغات الأجنبية وطوابير الهجرة على أبواب السفارات الأجنبية للدول الصناعية أي ثقافة التدويل. فالإنتاج الثقافي وتوزيعه أصبح الآن بيد الشركات الكبرى (المركز)، تحولت الثقافة من المكتوب إلى المقروء، من الرواية والسرد إلى الوسائل السمعية والبصرية الحديثة. أما من حيث المضمون فثقافة العولمة هي ثقافة الكسب السريع والإيقاع السريع، والتسلية الوقتية، وإدخال السرور على النفس، وملذات الحس، وإثارة الغرائز، ثقافة (الجريء والجميلات) و (دالاس) وليس ثقافة (أوشين) التي يمكن أن تنال إعجاب الجمهور في العمق على الرغم من أمركة الثقافة في السطح، فالعولمة هي الاسم الحركي للأمركة.([4])
          إن تطور تقنيات التواصل في ظل العولمة وضع الأمم كلها على خط انطلاق واحد، يتيح لها فرصًا متكافئة في مضمار سباق الأفكار والمعلومات. ومعنى ذلك أننا في خضم هذه التواصلية المعلوماتية التي تفتحت لها أبواب السماء (فضائيات تنهمر عبر الأقمار الصناعية) وتفجرت بها الأرض عيونًا عبر الحواسب والشبكات نواجه طوفانًا مثل طوفان نوح، قد يقتلعنا من جذورنا، مع إرثنا الثقافي، ومشكلاتنا المزمنة، وسائر مألوفاتنا، وأعرافنا، وتقاليدنا، وعلاقاتنا، وأنظمتنا التربوية، وأنماط تفكيرنا وسلوكنا.
          فهل أعددنا الفُلك؛ نلوذ به إذا فار التنور وارتفعت أمواجه العاتية؟ نسلك فيه من كل زوجين اثنين يحفظان نسل مواريثنا العزيزة من الانقراض، حين تستوي السفينة على الجودي؟ أم نقول مثلما قال ولد نوح وكان في معزل -:  (قَالَ سَآوِيَ إِلَىَ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَن رّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)"سورة هود:  الآية 43".
          إن العولمة ليست قدرًا محتومًا لا يمكن الفكاك منه، ولا قانونًا تاريخيًا تخضع له كل الشعوب:  فالتاريخ ليس مجرد قانون موضوعي، إنما يتقابل هذا القانون مع حريات الأفراد وعمل الجماعات. العولمة جزء من جدل التاريخ، أحد أطراف الصراع في مقابل الخصوصية أو الإرادة الوطنية للشعوب والجماعات والأفراد.([5])
          إن مقاومة الهيمنة التي تحملها العولمة بكل أبعادها لا تتحقق من خلال الرفض الأيديولوجي لمفهومها، ولكن من خلال بناء الشروط التي تسمح بالتحكم بآلياتها وتقنياتها ووضع اليد على جزء من رأسمالها المادي والأدبي والعلمي. والمهم في هذا الصدد أن نفهم آليات الهيمنة الجديدة، وأن نسعى بكل إمكاناتنا إلى تغيير أو تعديل أثرها علينا. هذا يعني أن العولمة لا تدان بسبب الهيمنة التي تحملها، وإنما تنقد نقدًا سياسيًا علميًا من أجل تفكيك آليات هذه الهيمنة، وإبراز إمكانيات المقاومة التي تُتيحها، والميادين التي يمكن من خلالها للشعوب والمجتمعات الضعيفة المغلوبة على أمرها أن تتقدم فيها بالرغم عنها.
          ويفترض التعامل الناجح والمتوازن مع العولمة والتحديات التي تطلقها تبدلًا أساسيًا في توجهاتنا ومواقفنا النفسية التقليدية. وفي مقدمة ذلك التخلي عن المواقف الدفاعية التقليدية لصالح مواقف تقوم على الثقة بالنفس وبالمستقبل، وتبني مبادرات إيجابية وبناءة، تهدف إلى تعديل النظام العام الذي نعيش فيه، وتطوير التعاون الجماعي الذي يمكننا من تحقيق هذا التعديل. وهذا يستدعي أن نعترف بقصور أنظمتنا الاجتماعية والتربوية والثقافية لمواجهة هيمنة العولمة المؤمركة.([6])
والتخلص من هذا القصور من أجل احتلال المواقع العالمية، واختراق الهامشية، وكسر آليات التبعية بكل أنواعها، نحو المشاركة الفعلية والفعالة في الجهود الحضارية الإنسانية-، لا يتم إلا باهتمام كل المؤسسات الاجتماعية والتربوية والثقافية نحو صنع جيل واعٍ من أبناء العربية، تكون لديه القدرة والكفاءة على مواجهة هيمنة الأمركة بكل أبعادها، فينقد كل ما يلاحقه استماعًا وقراءة حفاظًا على هويته وعروبته، ويعمل دائمًا على أن يستبق معطيات العولمة التي لا تمحو إرادته ولا قوميته.





([1]) حسن حنفي وصادق جلال العظم، ما العولمة حوارات لقرن جديد، الطبعة الأولى، بيروت لبنان:  دار الفكر المعاصر، دمشق سوريا:  دار الفكر، 1420هـ 1999م، ص22.
([2]) جلال أمين، العولمة والدولة العرب والعولمة، ص 153 170، نقلًا عن حسن  حنفي وصادق جلال العظم، المرجع السابق، ص 24.
([3]) عزمي بشارة، إسرائيل والعولمة بعض جوانب جدلية العولمة إسرائيليًا العرب والعولمة، ص 281 293، نقلًا عن حسن حنفي وصادق جلال العظم، مرجع سابق، ص 24.
([4]) عبد الإله بلقزيز، العولمة والهوية الثقافية عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة العرب والعولمة، ص309 319، نقلًا عن حسن حنفي وصادق جلال العظم، مرجع سابق، ص 28.
([5]) حسن حنفي وصادق جلال العظم، مرجع سابق، ص28.
([6]) برهان غليون وسمير أمين، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، الطبعة الأولى، بيروت لبنان:  دار الفكر المعاصر، دمشق سوريا:  دار الفكر، 1420هـ 1999م، ص 

الأربعاء، 8 فبراير 2017

القديمُ والجديدُ (لطه حسين)

     نريد أن نفرغ من مسألة القديم والجديد. وهل من سبيل إلى أن نفرغ من مثل هذه المسألة؟ فقد رأينا في فصل مضى أنها مسألة تلازم الأمم الحية، وتلازمها لأنها حية. إذ كانت الحياة بطبيعتها تطورًا وكان التطور بطبيعته انتقالًا من حال إلى حال، وكان هذا الانتقال نفسه موجودًا للخلاف بين جديد طارئ وقديم زائل. فليس للجديد بد من أن يجاهد ليظهر ويستأثر بالحياة، وليس للقديم بد من أن يجاهد قبل أن يزول ويفقد سلطانه على النفوس. فما دامت هناك حياة فهناك قديم وجديد، وجهاد بين القديم والجديد، وأنصار للقديم وأنصار للجديد. وكما أننا مضطرون بحكم الحياة إلى أن نخضع للتطور. فنحن مضطرون بحكم التطور نفسه إلى أن نحتمل الخلاف بين الذين يبكون مغرب الشمس والذين يبتسمون لإشراقها. وكل ما نستطيع، أو كل ما نرجو، إنما هو ألا ننفق حياتنا في بكاء على الماضي أو ابتسام للمستقبل، فقد يصرف البكاء والابتسام عن أن ننتفع بتراث الماضي أو نحيا بآمال المستقبل.
     وليكن موضوع تفسيرنا للعلاقة بين القديم والجديد في هذا الفصل اللغة دون غيرها من موضوعات الخلاف. وأول شيء نحب أن نسائل عنه هو اللغة نفسها، لمن هي؟ ومن واضعها؟ ومن الذي ينتفع بها ويصرفها في أغراضه؟ فإن تكن اللغة ملكًا لقوم دون قوم ووقفًا على جماعة دون جماعة، فليس من شك في أن هؤلاء القوم وحدهم هم أصحاب الحق في أن يصرفوا هذه اللغة في أغراضهم ومذاهبهم، فأما غيرهم فليس له إلا أن يقلدهم في ذلك تقليدًا لا يتسع للخلاف ولا للتجديد. أترى إلى المصري حين يصطنع لغة من لغات الغرب ليس له أن يزيد فيها ولا أن ينقص منها ولا أن يغير أشكالها وأساليبها وإنما الحق عليه أن يذهب في ذلك كله مذهب أهلها، أفتظن أن حظ المصري من التصرف في اللغة العربية كحظه من التصرف في اللغة الفرنسية؟ ماذا نقول !! يخيل إلينا أننا أخطأنا التشبيه، ونحن مضطرون إلى أن نخطئ لأننا لا نجد إلى التشبيه سبيلًا. فنحن نعلم أن كثيرًا من الكتاب والشعراء الأجانب اصطنعوا الفرنسية لغة لنثرهم وشعرهم فأتقنوها كما أتقنها أهلها المجيدون، واستباحوا لأنفسهم فيها حقوقًا ليست أقل من حقوق أهلها، فأضافوا إليها ألفاظًا
اخترعوها وأساليب ابتدعوها، ولم ينكر الفرنسيون ذلك وإنما قبلوه وانتفعوا به واتخذوه لهم متاعًا شائعًا. أفتظن أن حق المصري في اللغة العربية أقل من حق أولئك الكتاب والشعراء في اللغة الفرنسية؟ نفهم أنه لا يبدل وحي السماء  ولكنَّا نعلم أن اللغة ليست من وحي السماء. وإنما هي ظاهرة من ظواهر الاجتماع الإنساني، لم يضعها فرد بعينه ولا جماعة بعينها، وإنما اشتركت في وضعها الأمة التي تتكلمها، دون أن تعلم متى وضعتها ودون أن تستطيع أن تعين لكل فرد من أفرادها أو جماعة من جماعاتها حظًا من ألفاظها وأساليبها. وإذا كان الأمر كذلك فلابد من أن تلاحظ في اللغة: ألفاظها ومعانيها وأساليبها. شيئين مختلفين، كلاهما يجعل تجدد اللغة أمرًا محتومًا الأول: أن لنفسية الأمة وحاجاتها، والظروف التي تحيط بها أثرًا قويًا في تكوين اللغة، وأن اللغة ليست في حقيقة الأمر إلا أثرًا لهذه النفسية والحاجات والظروف. فإذا أردت ألا تتجدد اللغة ولا تتطور فأبدأ بنفسية الأمم وحاجاتها وظروفها فَقِفْها عند حد معين لا تعدوه يتم لك ما تريد. الثاني: أن الأفراد يتكلمون اللغة ويصرفونها في أغراضهم وحاجاتهم. ومهما يكن سلطان الجماعة على الفرد ومهما يكن خضوع الفرد للجماعة وفناء شخصيته في مجموعها، فله حظ من الشخصية يمتاز به عن غيره من الناس. ولهذا الحظ من الشخصية الذي يختلف قوة وضعفًا باختلاف الأفراد وحظوظهم من الرقي العقلي أثره في اللغة. فليس لك أن تكلف الشاعر أو الكاتب المجيد أن يصف شعوره وعواطفه وحسه كما يصفها رجل من عامة الناس. وليس لك أن تكلف العالم أن يصف علمه بنفس اللغة التي يتكلمها عامة الناس. فإذا أردت أن تحول بين اللغة وبين التجدد فابدأ بشخصية الأفراد فامحها محوًا تامًا حتى يستوي الناس جميعًا في الحس والذوق والفهم والشعور. فإن تمت لك هذه المساواة وتم لك حرمان الجماعة من التطور فسيتم لك وقوف اللغة عند حد من الجمود لا سبيل إلى تجاوزه. ولكنك تعلم أن هذا غير ميسور، وأنك لن تستطيع أن تصل إلى بعضه إلا إذا استطعت أن تقف دورة الفلك واختلاف الليل والنهار. وإذاً فسلم للغة بحقها في التطور كما سلمت بذلك للجماعات،  وسلم للأفراد بحقهم في أن يصفوا لشيء كما يرونه ويعبروا عن الشعور كما يجدونه. وإذا سلمت لهم بذلك فأنت مكره على أن تؤمن بتجديد اللغة.




الشعرُ (لمصطفى صادق الرافعي)

     أول الشعر اجتماع أسبابه. وإنما يرجع في ذلك إلى طبع صقلته الحكمة وفكر جلا صفحته البيان. فما الشعر إلا لسان القلب إذا خاطب القلب. وسفير النفس إذا ناجت النفس. ولا خير في لسان غير مبين ولا في سفير غير حكيم.
     ولو كان طيرًا يتغرد لكان الطبع لسانه، والرأس عشه والقلب روضته. ولكان غناه ما تسمعه من أفواه المجيدين من الشعراء. وحسبك بكلام تنصرف إليه كل جارحة. وتضم عليه كل جانحة، ويجني من كل شيء حتى لتحسب الشعراء من النحل تأكل من كل الثمرات فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس.
     وكأنما هو بقية من منطق الإنسان اختبأت في زاوية من النفس فما زالت بها الحواس حتى وزنتها على ضربات القلب وأخرجتها بعد ذلك ألحانًا بغير إيقاع، ألا تراها ساعة النظم كيف تتفرع كلها ثم تتعاون كأنما تبحث بنور العقل عن شيء غاب عنها في سويداء الفؤاد وظلماته. لذلك كان أحسن الشعر ما تتغنى به قبل عمله وهي طريقة تفنن فيها الشعراء حتى لكان الحطيئة يعوي في أثر القوافي عواء الفصيل في أثر أمه.
     وترى المجيد من أهل الغناء إذا رفع عقيرته يتغنى ذهب في التحرك مذاهب حتى كأنما ينتزع كل نغمة من موضع في نفسه فيتألف من ذلك صوت إذا أجال حلقة فيه وقعت كل قطعة منه في مثل موضعها من كل من يسمع فلا يلبث أن يستفزه طربه، كأنما انجذب قلبه، وتصبو نفسه، كأنما أُخِذ حسَّه، لا فرق في ذلك بين أعجمي وعربي. ومن أجل هذا ترى أحسن الأصوات يغلب على كل طبع. وإنما الشاعر والمغني في جذب القلوب سواء، وفي سحر النفوس أكْفاء. إلا أن هذا يوحي إلى القلب وذاك ينطق عنه، وأحدهما يفيض عليه والثاني يأخذ منه. والويل لكليهما إذا لم يطرب هذا ولم يعجب ذاك.
     والشعر موجود في كل نفس من ذكر وأنثى. ولو كان الشعر هذه الألفاظ الموزونة المقفاة لعددناه ضربًا من قواعد الإعراب لا يعرفها إلا من تعلمها ولكنه يتنزل من النفس منزلة الكلام، فكل إنسان ينطق به ولا يقيمه كل إنسان. وأما ما يعرض له بعد ذلك من الوزن والتقفية فكما يعرض للكلام من استقامة التركيب والإعراب. وإنك إنما تمدح الكلام بإعرابه ولا تمدح الإعراب بالكلام.



     ولم يكن لأوائل العرب من الشعراء إلا لأبيات يقولها الرجل في الحاجة تعرض له كقول دويد بن زيد- وهو من قديم الشعر العربي- حين حضره الموت:
اليــوم يُبنْىَ لدُويَد بيتُه           لو كان للدهر بِليً أبليتُهْ
أو كان قِرني واحداً كفيتُه
    وإنما قُصِّدت القصائد على عهد عبد المطلب أو هاشم بن عبد مناف. وهناك رفع امرؤ القيس ذلك اللواء وأضاء تلك السماء التي ما طاولتها سماء. وهو لم يتقدم غيره إلا بما سبق إليه مما أتبعه فيه من جاء بعده. فهو أول من استوقف على الطلول ووصف النساء بالظباء والمهى والبيض وشبه الخيل بالعقبان والعصى وفرق بين النسيب وما سواه من القصيدة وقرب مآخذ الكلام وقيد أوابده وأجاد الاستعارة والتشبيه، ولقد بلغ منه أنه كان يتعنت على كل شاعر بشعره.
     وليس بشاعر من إذا أنشدك لم تحسب أن سمعه مخبوء في فؤادك وأن عينيك تنظر في شغافة. فإذا تغزل أضحكك إن شاء وأبكاك إن شاء. وإذا تحمس فزعت لمساقط رأسك. وإذا وصف لك شيئًا هممت بلمسه حتى إذا جئته لم تجده شيئًا. وإذا عتب عليك جعل الذنب لك ألزم من ظلك. وإذا مثل كنانته رأيت من يرميه صريعًا لا أثر فيه لقذيفة ولا مُدية ولكنها كلمة فُتحت عليها عينُه أو وَلَجت إلى قلبه من أذنه فاستقرت في نفسه وكأنما استقر على جمر، وإذا مدح حسبت الدنيا تجاوبه وإذا رثى خفت على شعره أن يجري دموعًا وإذا وعظ استوقَفَت الناسَ كلمتُه وزادتهم خشوعًا وإذا فخر اشتم من لحيته رائحة الملك فحسبت أنما حفت به الأملاك والمواكب. وجماع القول في براعة الشاعر أن يكون كلامه من قلبه فإن الكلمة إذا خرجت من القلب، وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان. 


السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:

  بسم الله الرحمن الرحيم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:  ...