الثلاثاء، 7 فبراير 2017

العربُ واللغاتُ الأجنبيةُ (لمحمود فهمي حجازي)

     في إطار الحضارة العربية الإسلامية كان كثير من النحويين واللغويين يؤلفون بالعربية ويعرفون الفارسية أو التركية. فسيبويه صاحب أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي كان يعرف الفارسية، والسيرافي مؤلف أقدم شرح وصل إلينا على كتاب سيبويه نشأ أيضًا في بيئة لغوية فارسية.أما أبو الفرج بن العبري فكان يعرف العبرية وألف بالسريانية والعربية.أما النحاة اليهود في الأندلس الإسلامية فقد درسوا النحو العربي وألفوا نحوًا للعبرية على أساس معرفتهم بمنهج التحليل النحوي عند العرب.وإلى جانب هؤلاء جميعًا كان النحويُ العربيُ أثير الدين بن حيان رائد التأليف في النحو التركي، وربما كان أيضًا أول مؤلف في النحو الحبشي
     وفوق هذا فقد عَرَف ابن حزم القرابة اللغوية بين العربية والعبرية والسريانية. وشبّه هذه القرابة بقرابة لهجات اللغة الواحدة. قال ابن حزم:"الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا أن السريانية والعبرانية والعربية- التي هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير-لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها،فحدث فيها جَرْش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ومن القيروان إذا رام نغمة الأندلسي
     ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي على ليلة واحدة من قرطبة كاد يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلًا لا يخفى على من تأمله... وإذا تعرب الجلْيَقي أبدل من العين والحاء هاء فيقول: مهمدًا إذا أراد أن يقول محمدًا. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل". وهكذا أتيح لبعض النحاة والمفكرين في الدولة الإسلامية أن يعرفوا لغات متشابهة، ومن أصل واحد مثل العربية والعبرية والسريانية، وأن يعرف بعضهم إلى جانب العربية لغات أخرى تختلف بنيتها عن بنية اللغات السامية. مثل اللغة الفارسية وهي لغة هندية أوربية، واللغة التركية وهي لغة تنتمي إلى مجموعة لغوية أخرى. 

البُعدُ الاقتصاديُ والسياسيُ للعولمةٍ (لحسن حنفي)

     العولمة في مظهرها الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار بثروات العالم -مواده الأولية وأسواقه على حساب الشعوب الفقيرة- واحتواء المركز للأطراف التي حاولت الفكاك منه في الخمسينيات والستينيات إبان حركة التحرر الوطني، ثم تعثرت في بناء الدول الوطنية، فأراد المركز وراثتها من جديد تحت أحد أشكال الهيمنة، وهي العولمة، وكأنها لم تخرج من الاستعمار إلا كي تعود إليه من جديد، نادمة على مناهضته ومقاومته والاستقلال عنه.
     والعولمة هي إحدى مراحل النمو الرأسمالي في الغرب في هيئة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتجاوز حدود الدول القومية التي نشأت مع الرأسمالية ولعبت دورًا رئيسيًا في نموها وانتشارها وخوض الحرب في سبيلها، وجاءت مثل الرخاء والرفاهية والاستهلاك تشرع لأيديولوجية السوق وقوانين العرض والطلب طبقًا لقوانين (دعه يعمل، دعه يمر) حتى يعم الرخاء الجميع وتفيض الوفرة وتغمر كل شيء وينتهي عصر التطور اللامتكافئ، وتدخل جميع الدول في اقتصاد السوق بمواده الأولية وأسواقه وعمالته، وتعود إليه فوائد أرباحه وتنمية مدخراته. والحقيقة أن ذلك كله يتم لصاحب المركز على حساب الأطراف، فالعولمة الاقتصادية تؤدي في النهاية إلى (التركيز والتهميش) التركيز في الدول الصناعية السبع الكبرى، والفقر والتبعية والتهميش للأطراف.
     والعولمة في بُعدها السياسي أحد أشكال الهيمنة السياسية بعد انهيار أحد المعسكرين، وانفراد المعسكر الآخر بالسيطرة على العالم. فباسم العولمة تُمْحَى الإرادة الوطنية المستقلة للدول والشعوب. فالعولمة شكل من أشكال الهيمنة، والدولة الوطنية المستقلة نقيضان، وجود أحدهما ينفي وجود الآخر. تتطلب العولمة فتح الحدود، ورفع الدولة يدها عن الحواجز الجمركية، وحرية انتقال الأموال عبر البنوك، وحرية تغيير أسعار الصرف طبقًا لأسعار السوق، ورفع الدعم عن المواد الغذائية، والخضوع لقوانين السوق، والعرض والطلب، وإنهاء القطاع العام والإسراع في خصخصته. وعلى هذا ليست وظيفة الدولة حماية الاقتصاد الوطني، بل تشجيع الاستثمار الأجنبي، وتهيئة الخدمات اللازمة. تتطلب العولمة الدولة الرَّخوة، وليست الدولة القوية الوطنية المستقلة. وعلى الرغم من أن إسرائيل جزء من النظام الاقتصادي الغربي إلا أنها تتمسك بإرادتها المستقلة، تستفيد من العولمة دون أن تكون ضحيتها.
     والاستقرار السياسي هو الضمان للعولمة حتى لا تأتي بقرار فوقى أو بانقلاب ثم يطيح بها انقلاب آخر. لذلك تتطلب قدرًا كبيرًا من الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية. فالحرية الاقتصادية تتطلب حرية سياسية، والواقع الفعلي غير ذلك. إذ تؤيد الدول الكبرى في المركز أبشع أنواع نظم الحكم الاستبدادي والتسلطي في الأطراف، الحكم العسكري والملكي والقبائلي العشائري، وتحقق غاية العولمة الاقتصادية دون متطلباتها السياسية، بل وتشجع بعض أنظمة الحكم المنتسبة إلى الإسلام مادامت تؤمن بالحرية الاقتصادية وموالية للغرب مثل أفغانستان وشبه الجزيرة العربية وتعادي نظمًا إسلامية أخرى معادية للهيمنة الغربية مثل إيران والسودان. تؤيد النظم الغربية الإسلام المحافظ ؛ لأنه يؤمن باقتصاد السوق، وتعارض الإسلام التقدمي، لأنه يؤمن بالاستقلال الوطني وسيطرة الدولة على قطاعات الإنتاج الكبرى حماية لمحدودي الدخل، كما هو الحال في الملايو، وتؤيد اقتصاد السوق المناهض للحركة الإسلامية كما هو الحال في تركيا.

عولمةُ الثقافةِ (لحسن حنفي)

عولمة الثقافة*
(لحسن حنفي)

العولمة لها ثقافتها، وهي ثقافة غير مكتوبة، قيمها مبثوثة عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، بل وعبر أساليب الحياة اليومية في الطعام والشراب والكساء والمواصلات والهاتف والتلفاز ونظم التعليم وفرص العلم والمعرفة باللغات الأجنبية وطوابير الهجرة على أبواب السفارات الأجنبية للدول الصناعية أي ثقافة التدويل. فالإنتاج الثقافي وتوزيعه أصبح الآن بيد الشركات الكبرى في المركز، والحقيقة هي ما ينشره الخبر. الحقيقة (Truth) هي طريقة روايته (Truth- Telling). تحولت الثقافة من المكتوب إلى المقروء، من الرواية والسرد إلى الوسائل السمعية والبصرية الحديثة. أما من حيث المضمون فثقافة العولمة هي ثقافة الكسب السريع والإيقاع السريع، والتسلية الوقتية، وإدخال السرور على النفس، وملذات الحس، وإثارة الغرائز، ثقافة (الجريء والجميلات) و (دالاس) وليس ثقافة (أوشين) التي يمكن أن تنال إعجاب الجمهور في العمق على الرغم من أمركة الثقافة في السطح، فالعولمة هي الاسم الحركي للأمركة. وتهبط هذه الثقافة الاستهلاكية في الثقافة التقليدية فينشأ الخصام الثقافي بين قديم مغلق، وجديد تابع ويضيع الإبداع الثقافي بين المطرقة

أهميةُُ الصمتِ (لزكريا إبراهيم)

أهمية الصمت *
(لزكريا إبراهيم)

          قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لعمه العباس: "يعجبني جمالك". قال وما جمال الرجل يا رسول الله؟ قال: "لسانه". وهكذا كان جمال الرجل في رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيق الصلة بفصاحة لسانه، ورجاحة عقله.
     وإلى هذا المعنى ذهب الإمام علي كرم الله وجهه حين قال:" لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه". والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة وروية، والأحمق تسبق سقطات لسانه مراجعة فكره. فكان لسان العاقل تابعًا لقلبه وكان قلب الأحمق تابعًا للسانه.
     ولعل هذا ما عناه الجاحظ حين قال:" إن للكلام غاية، ولنشاط السامعين نهاية، وما فَضُل عن الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال فذلك هو الهَذَر. وإن ابتغيت الصمت فاعلم أن للصمت ضروبًا، فقد ورد في امتداحه أقاويل منها:" أن رجلًا سأل أحد حكماء العرب متى أتكلم؟ فقال : إذا اشتهيت الصمت. وعاد الرجل يسأله ومتى أصمت؟ فقال: إذا اشتهيت الكلام".  













السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:

  بسم الله الرحمن الرحيم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:  ...