السؤال هل نحن في اتجاه تكوين ثقافة عالمية واحدة تخضع للتمايز في داخلها
بين ثقافة شعبية وثقافة طبقة سائدة نخبوية، أم في اتجاه صراع بين ثقافة نخبوية
مسيطرة مرتبطة بسيرورة العولمة، وثقافات وطنية محتفظة بديناميكيتها، ومستمرة في
مقاومة ثقافة العولمة؟
نحن في اعتقادي في صدد عمليتين متوازيتين
معًا؛ تتبع الأولى خط نشوء ثقافة عالمية تشكل الموارد المشتركة للنخبة الدولية
التي سوف تدمجها الشبكات والقطاعات للعولمة، وتنشر فيها القيم والسلوكيات وأنماط
التفكير ذاتها، وتفصلها- بالتالي- عن الجسم الرئيسي للمجتمعات التي تنتمي إليها.
أما العملية الثانية فتتبع خط التمايز والصراع المتزايد بين الثقافة المعولمة
الجديدة، ثقافة العولمة، والثقافات المحلية والإقليمية التي سوف تفقد طابعها
الوطني أو القومي التقليدي، وتخضع لعاملين متناقضين: الانفتاح في اتجاه الدائرة
الحضارية المشتركة التي تضم العديد من الدول القومية، مثل ما يبدو من العودة
للمرجعية العربية والإسلامية، والانغلاق في اتجاه الربط مع التقاليد المناطقية
والأقومية والعشائرية والمذهبية في الوقت نفسه. وتتوقف خطوط التقاطع والتمايز
بين هذه المستويات الثقافية المتعددة بصورة رئيسية على الشكل الذي سوف يأخذه
تقسيم العمل الدولي في إطار العولمة، وفي إثره تكوين خطوط التضامن والتحالف
والتفاعل بين الجماعات.
وسوف تتخذ المعركة بين الثقافتين:
المعولمة، وتلك الناشئة عن إعادة تنظيم الموارد الثقافية المحلية على أسس
إقليمية، اتجاهين أساسيين: الأول؛ هو تأكيد استقلالية الثقافات الإقليمية عن
الثقافة المعولمة، والثقافات الكبرى المسيطرة في سياقها. وهو ما يمثله الرفض الذي
سوف يستمر ويزداد لمبدأ الهيمنة الثقافية والعالمية الكاذبة والكسموبوليتية(1).
والاتجاه الثاني: هو إثبات أصالتها أو قدرتها على إبداع حلول مختلفة وناجعة
للمجتمعات المرتبطة بها، وبالتالي على رفض الحلول الاقتدائية والمستنسخة عن
الثقافة الكبرى.
يعني هذا أن هناك تحديين رئيسين يواجهان
الثقافات المسيطر عليها اليوم الأول: هو تحدي الاستسلام والتسليم الذي يؤدي إلى
الانحلال والتفكك والالتحاق من دون شخصية ولا برنامج ولا مشاركة إيجابية
بالثقافات المسيطرة. والثاني: هو البقاء في مستوى الرفض والاحتجاج، وبالتالي
التحول حتمًا إلى ثقافة مضادة لثقافة العولمة، ولكنها من الطينة نفسها وعلى أسس
واحدة وإن كانت مقلوبة. ونحن في العالم العربي لا نزال- على مستوى الحركة العامة
الغالبة على الأقل، والظاهرة أيضًا - نعيش في مرحلة هذا الرد الاحتجاجي على صعود
ثقافة الهيمنة والعولمة التي تهمشنا أو تهدد بتهميشنا التاريخي، وتهميش ثقافتنا.
وهذا يفسر أن المرجعية الرئيسية التي تتخذها إعادة تشكيلنا لثقافتنا العربية
الإسلامية- كثقافة جديدة لعصر العولمة- هي مرجعية إسلامية، نعيد من خلالها تأويل
الإسلام تأويلًا هيمنيًا في اتجاه مماثل تمامًا في الجوهر لنماذج الهيمنة
الشمولية التي تفرزها الثقافة التي نحتج عليها.
|
الأربعاء، 8 فبراير 2017
ثقافةُ العولمةِ (لبرهان غليون)
الثلاثاء، 7 فبراير 2017
هذا هو عصرُنا (لزكي نجيب محمود)
ليس العصر من العصر عددًا من السنين يكبر حينًا ليمتد بضعة قرون، ويصغر
حينًا ليكفيه قرن واحد أو بعض قرن ، وإنما العصر المعين هو "فكرة"
أساسية تسود الحياة وتصبح محورًا تدور حوله مسالك الناس ومناشطهم، حتى إذا ما
تطورت تلك المسالك والمناشط- بحيث لم تعد "فكرة" العصر تكفيها ينبوعًا
تنبثق منه المبادئ والقواعد ومواصفات الحياة العملية- أخذت "فكرة
جديدة" في الظهور والانتشار والرسوخ حتى تصبح بدورها محورًا تدور حوله رحى
الحياة، وعندئذ ينظر الناس فإذا هم في عصر جديد. فإذا حدث لفرد من الناس أو لفئة
منهم أن تخلفت في رؤوسهم فكرة عصر مضى، ثم نشطوا على أساسها وسلكوا فالأرجح ألا
تسعفهم فكرتهم القديمة تلك بما يتطلبه العصر القائم من صور الحياة فيصبحون-
بالضرورة- كالغرباء في قومهم، حتى لتلفت إليهم الأنظار دهشة، وذلك في الأغلب
الأعم. والأرجح- كما قلت- هو أن تكون الفكرة الجديدة أصلح لذلك الارتفاع الكيفي
المنشود، من "الفكرة " التي ذهبت وذهب عصرها معها وها هي ذي قصة
"أهل الكهف" للذين غيبهم نومهم نحو ثلاثة قرون عن تيار التغير فأصبحوا
في قومهم غرباء، إلى الحد الذي أحرجهم ودفع بهم إلى العودة حيث كانوا إيثارًا
للموت على حياة المنبوذ في أرضه.
ولابد "للفكرة الجديدة" التي
يتولد عنها عصر جديد، أن تبلغ من الغزارة حدًا من شأنه أن يفسح المجال لأفكار
فرعية تنبثق منها ولفروع من تلك الفروع حتى تظل الحياة على تشعبها وتعقدها وكثرة
الأفراد والجماعات التي تستظل بظلها. فإذا أخذنا الفترة التي امتدت بالغرب من
عصوره الوسطى إلى اليوم - وهي نحو أربعة قرون - على أنها عصر جديد واحد أعقب ما يطلق
عليه في تاريخهم اسم العصور الوسطى، كانت "الفكرة الجديدة" التي ميزته
عن سابقه، هي أن يضيفوا إلى قراءة الكتب الموروثة عن أسلافهم وأقول:
"أن يضيفوا ولا أقول: أن يحلوا محلها" قراءة ظواهر الطبيعة قراءة
مباشرة، لعلهم يخرجون بما يخرجون به من قوانين العلم الطبيعي التي من شأنها أن
تزيد من قدرة الإنسان على تسخير الطبيعة لخدمته، وأعظم ما ينتج عن ذلك التسخير
هو التحرر من قيود هي أقسى ما يتعرض له الإنسان من قيود، وأعني القيود التي
تفرضها طبائع الأشياء على الإنسان قبل أن يعرف كيف يلجمها فيمسك بأعنتها ويسيرها
كيفما أراد لها أن تسير. ولك أن تلقي بلمحة خاطفة إلى ما قد حققه الإنسان لنفسه
من سيادة بمعرفته لقوانين الضوء والصوت والكهرباء والجاذبية..... إلخ
|
وأعود بعد ذلك فأسأل ماذا كانت الفكرة الجديدة التي عملت على أن يكون
القرن العشرون وحدة حضارية قائمة بذاتها؟ ولكي نجيب عن ذلك أريدك أن تقف معي
لحظة عند مفترق القرنين: التاسع عشر والعشرين ، لندير أبصارنا في مجال العلوم
متسائلين هل حدث فيها من جديد؟ وعندئذ سيجيئنا الجواب واضحًا: نعم. فإذا كان
العصر بمعناه الواسع الذي يشمل كل ما أعقب العصور الوسطى قد عرف بخروج العلماء
من محابسهم ليجوبوا الأرض والبحر وأفلاك السماء، كاشفين عن كل مستور عطاءه ما
أسعفتهم قدراتهم في هذا السبيل، ومع الكشف يقرءون صحائف الكون فيعلمون ظواهره،
أقول: إنه إذا كان العصر الحديث بمعناه الذي امتدَّ أربعة قرون، قد كان مداره
قراءة الطبيعة قراءة مباشرة بعد أن كان شغل العلماء الشاغل قبل ذلك هو أن ينكبوا
داخل الجدران يقرءون صحف السابقين، فإن العصر بمعناه الأضيق الذي يقتصر على
القرن العشرين وحده، لا يزال استمرارًا للاتجاه نفسه، إلا أن قراءته للطبيعة
مختلفة الأساس عما كانت عليه.
إن القرن العشرين استمرار
للثلاثة القرون السابقة في الاتجاه بالجهد العلمي نحو قراءة الطبيعة قراءة
مباشرة، إلا أن القراءة اختلفت أبجديتها عما كانت، فبعد أن كان أساسها عند نيوتن
وغيره من علماء الفترة السابقة هو أن أي شيء يبقى على حاله عاجزًا عن أن يغير
شيئًا من وضعه حتى يأتيه عامل خارجي فيغيره، فالجسم المتحرك في اتجاه ما يظل
متحركًا في هذا الاتجاه لا ينحرف عنه إلا إذا صدمه جسم آخر فيتغير، لا يتغير إلا
بفعل عامل خارجي، هو الأساس الذي نقرأ عليه ظواهر الطبيعة في مسالكها. جاء هذا
القرن العشرون ليغير أساس القراءة فيجعل التغير نتيجة اعتمال داخلي في الشيء
المتغير بالإضافة إلى ما قد يكون هنالك من مؤثرات خارجية.
وهذا هو بالفعل ما قد حدث في
حالتنا هذه فقد ظهر من الفلاسفة والمفكرين ورجال الأدب والفن ، ابتداء من
رومانسية العشرات الأولى من القرن الماضي التــي تبــدت فـي كبار الشعراء
والروائيين وفي فلسفة هيجل المثالية ثم في فلسفة شوبنهاور ونتشه التي تجعل
أولوية الحياة في إرادتها قبل أن تكون في ظروفها. وكلها اتجاهات تحول محور
الارتكاز في تطور الحياة من تأثير العوامل الخارجية إلى اعتمال الدوافع الداخلية
وانعكس الاتجاه نفسه في أواسط القرن الماضي على مفكرين من أمثال ماركس وفرويد.
وربما كان الشذوذ الوحيد هو نظرية "دارون" في التطور وكان ظهورها في
أواسط القرن الماضي أيضًا فهي وإن سايرت عصرها في توجيه الاهتمام نحو فكرة
التطور، إلا أنها جعلت تطور الكائنات الحية نتيجة عوامل البيئة الخارجية التي
ترغم الكائن الحي على أن يتكيف لبيئته وإلا كان مصيره سرعة الفناء، (وهو اتجاه
جاء عصرنا ليعلن النقيض- وهو أن حياة الكائن الحي من الداخل هي التي بفاعليتها
تملي على البيئة شروطها وذلك بأن تغيرها لتجعلها أصلح لبقائها).
|
مفهومُ الأدبِ (لحسين المرصفي)
اعلم أن الأدب معرفة الأحوال التي يكون الإنسان المتخلق بها محبوبًا عند
أولي الألباب الذين هم أمناء الله على أهل أرضه. من القول في موضعه المناسب له،
فإن لكل قول موضعًا يخصه بحيث يكون وضع غيره فيه خروجًا عن الأدب كما قال جرْوَل،
الشاعر المشهور بالحطيئة: " فإن لكل مقام مقالًا".
ومن الصمت وهو السكوت المقصود في موضعه فإن
للصمت موضعًا يكون القول فيه خلاف الأدب، يرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم
الله امرأً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم". وفي لامية الطُّغُرّائي".
ويا خبيـرًا علـى الأسـرارِ مُطَّلِعًا اصمت ففي الصمت منجاةُ من الزللِ
ولبعضهم:
عجبـتُ لإزراء الغبـي بنفْسِــهِ
وصمتِ الذي قدْ كان بالعلم أَحْزَما
وللصمـتُ خيـرُ للغبـي وإنمـا
صحيفـة لـب المـرء أن يتكلما
والكلام المنبه على مواضع الأقوال وعلى
مواضع الصمت كثير. فمن الأحوال التي يكون التخلق بها أدبًا وضع الأفعال في مواضعها
كما قال الله تعالى:
(وَجَزَآءُ سَيئَةٍ سَيئَةٌ
مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ) فنبه سبحانه على
أن المطلوب العفو المصلح دون المفسد، وقال النابغة الجعدي بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم:
ولا خيـرَ في حلمٍ إذا لم تكُنْ له
بوادِرُ تحمـي صفَوه أن يُكَدّرا
ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له
لبيب إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال له النبي لا يفضض الله فاك. وقال أبو
الطيب؟
إذا أنـت أكرمــت الكـريم ملكتـه
وإن أنـت أكرمـت اللئيـم تمــردا
فوضع النَّدى في موضعِ السيفِ بالعُلى
مُضِرُ كوضعِ السيفِ في موضعِ النَّدا
والناس في الأدب متفاوتون تفاوتًا عظيمًا.
فمن قرأ العلوم وطاف في البلاد وعاشر طوائف الناس بعقل حاضر وتنبُّهٍ قائم وضبط
جيد حتى عرف العوائد المختلفة والأهواء المتشعبة وميز الحسن منها وتخلق به، يكون
بالضرورة أكثر أدبًا ممن قرأ وخالط ولم يطف وممن قرأ وطاف ولم يعاشر. وموافقة جميع
الناس أمر غير ممكن فإن الدين والعقل يمنعان
من ارتكاب أمور لايسرّ بعض ذوي
الأهواء غيرُها، وأولئك هم السفهاء الذين لا ألباب لهم، فهم بمنزلة قشور الأشياء
التي لولا لبها لم تصلح إلا للنار أو ما أشبه، فيجب على الإنسان لأجل أن يكون
محبوبًا عند الناس حاصلًا على أغراضه منهم أن يطلب الأخلاق المحمودة عند أولي
النهى ليتحلى بها ويتخلى عن أضدادها، وأن يعرف أنه لا سبب لفساد الأقوال
والأفعال - حتى تكون مشنوءة مبغوضة- إلا وضع الشيء في غير موضعه، فلا بد له من
اجتهاد عظيم في طلب مواضع الأشياء ليأمن كثيرًا من الغوائل ومكدرات النفوس، ومن
العيب الفاحش وهو نقص القادر على التمام كما قال أبو الطيب أحمد بن الحسين
المشهور بالمتنبي:
ولم أرَ في عيوب الناسِ شيئًا كنقص القادرين على التمامِ
وهاك مثال
يرشدك إلى كيفية تعرف محاسن الأشياء ومواضعها: التكلم بصحيح اللغة أمر حسن
واللحن غير حسن، كما يحكى أن هند ابنة أسماء بنت خارجة زوج الحجاج لحنت بين يديه
يومًا فعاب ذاك منها وازدراه عليها فقالت ألم تسمع قول أخي مالك:
وحديـثٍ ألـذُّه هــو ممـا يَنعتُ الناعتون يُـوزن وَزْنَـا
منطقُ صائبُ وتَلْحَنُ أحيــا ناً وأحلى الحديثِ ما كان لحنا
فقال الحجاج: وهذا خطأ ثانٍ فإن التحريف
والخطأ عيب لا يحسنه أحد فهو لم يُرِد باللحن ما فهمت، وإنما أراد به معنى له
آخر، وهو الرمز والإشارة إلى أمر لم يكن الكلام المنطوق به موضوعًا له.
ألم
تسمعى إلى قوله تعالى: (وَلَتَعْرِفَنّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ومن
ذلك قول الشاعر:
ولقد لحنتُ لهم لكي ما يفهموا واللحـنُ يفهمُـهُ أولو الألباب
لكن لمّا اعتاد الناسُ الميلَ بالكلام عن
وجهه العربي وصار فهمهم مربوطًا بالمنطق الملحون، وجب التكلم معهم بما جرت به
عادتهم، يدخل ذلك في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "خاطبوا الناس بما
يفهمون". وقوله: خاطبوا الناس على قدر عقولهم". وقد قيل: خطأ مشهور ولا صواب مهجور. فعلمنا أن للتكلم
بالعربية موضعًا يكون فيه حسنًا كقراءة الكتب ومحاورة الفطناء، حيث تكون في
المباحث العلمية ومراجعات التعليم والتعلم. وموضعًا يكون فيه غير حسن وهي
المخاطبات السائرة بين عموم الناس.
|
العربُ واللغاتُ الأجنبيةُ (لمحمود فهمي حجازي)
في إطار الحضارة العربية الإسلامية كان
كثير من النحويين واللغويين يؤلفون بالعربية ويعرفون الفارسية أو التركية.
فسيبويه صاحب أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي كان يعرف الفارسية، والسيرافي
مؤلف أقدم شرح وصل إلينا على كتاب سيبويه نشأ أيضًا في بيئة لغوية فارسية.أما
أبو الفرج بن العبري فكان يعرف العبرية وألف بالسريانية والعربية.أما النحاة
اليهود في الأندلس الإسلامية فقد درسوا النحو العربي وألفوا نحوًا للعبرية على
أساس معرفتهم بمنهج التحليل النحوي عند العرب.وإلى جانب هؤلاء جميعًا كان النحويُ
العربيُ أثير الدين بن حيان رائد التأليف في النحو التركي، وربما كان أيضًا أول
مؤلف في النحو الحبشي
وفوق هذا فقد عَرَف ابن حزم القرابة
اللغوية بين العربية والعبرية والسريانية. وشبّه هذه القرابة بقرابة لهجات اللغة
الواحدة. قال ابن حزم:"الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا أن السريانية
والعبرانية والعربية- التي هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير-لغة واحدة تبدلت مساكن
أهلها،فحدث فيها جَرْش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان ومن
القيروان إذا رام نغمة الأندلسي
ونحن نجد من سمع لغة أهل فحص البلوط وهي
على ليلة واحدة من قرطبة كاد يقول إنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في
كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلًا لا يخفى
على من تأمله... وإذا تعرب الجلْيَقي أبدل من العين والحاء هاء فيقول: مهمدًا
إذا أراد أن يقول محمدًا. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن
اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف
البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل". وهكذا أتيح لبعض النحاة
والمفكرين في الدولة الإسلامية أن يعرفوا لغات متشابهة، ومن أصل واحد مثل العربية
والعبرية والسريانية، وأن يعرف بعضهم إلى جانب العربية لغات أخرى تختلف بنيتها
عن بنية اللغات السامية. مثل اللغة الفارسية وهي لغة هندية أوربية، واللغة
التركية وهي لغة تنتمي إلى مجموعة لغوية أخرى.
|
البُعدُ الاقتصاديُ والسياسيُ للعولمةٍ (لحسن حنفي)
العولمة في مظهرها
الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار بثروات العالم -مواده الأولية
وأسواقه على حساب الشعوب الفقيرة- واحتواء المركز للأطراف التي حاولت الفكاك منه
في الخمسينيات والستينيات إبان حركة التحرر الوطني، ثم تعثرت في بناء الدول
الوطنية، فأراد المركز وراثتها من جديد تحت أحد أشكال الهيمنة، وهي العولمة،
وكأنها لم تخرج من الاستعمار إلا كي تعود إليه من جديد، نادمة على مناهضته
ومقاومته والاستقلال عنه.
والعولمة هي إحدى مراحل النمو الرأسمالي في
الغرب في هيئة الشركات المتعددة الجنسيات التي تتجاوز حدود الدول القومية التي
نشأت مع الرأسمالية ولعبت دورًا رئيسيًا في نموها وانتشارها وخوض الحرب في
سبيلها، وجاءت مثل الرخاء والرفاهية والاستهلاك تشرع لأيديولوجية السوق وقوانين
العرض والطلب طبقًا لقوانين (دعه يعمل، دعه يمر) حتى يعم الرخاء الجميع وتفيض
الوفرة وتغمر كل شيء وينتهي عصر التطور اللامتكافئ، وتدخل جميع الدول في اقتصاد
السوق بمواده الأولية وأسواقه وعمالته، وتعود إليه فوائد أرباحه وتنمية مدخراته.
والحقيقة أن ذلك كله يتم لصاحب المركز على حساب الأطراف، فالعولمة الاقتصادية
تؤدي في النهاية إلى (التركيز والتهميش) التركيز في الدول الصناعية السبع
الكبرى، والفقر والتبعية والتهميش للأطراف.
والعولمة في بُعدها السياسي
أحد أشكال الهيمنة السياسية بعد انهيار أحد المعسكرين، وانفراد المعسكر الآخر
بالسيطرة على العالم. فباسم العولمة تُمْحَى الإرادة الوطنية المستقلة للدول
والشعوب. فالعولمة شكل من أشكال الهيمنة، والدولة الوطنية المستقلة نقيضان، وجود
أحدهما ينفي وجود الآخر. تتطلب العولمة فتح الحدود، ورفع الدولة يدها عن الحواجز
الجمركية، وحرية انتقال الأموال عبر البنوك، وحرية تغيير أسعار الصرف طبقًا
لأسعار السوق، ورفع الدعم عن المواد الغذائية، والخضوع لقوانين السوق، والعرض
والطلب، وإنهاء القطاع العام والإسراع في خصخصته. وعلى هذا ليست وظيفة الدولة
حماية الاقتصاد الوطني، بل تشجيع الاستثمار الأجنبي، وتهيئة الخدمات اللازمة.
تتطلب العولمة الدولة الرَّخوة، وليست الدولة القوية الوطنية المستقلة. وعلى
الرغم من أن إسرائيل جزء من النظام الاقتصادي الغربي إلا أنها تتمسك بإرادتها
المستقلة، تستفيد من العولمة دون أن تكون ضحيتها.
والاستقرار السياسي هو الضمان للعولمة حتى
لا تأتي بقرار فوقى أو بانقلاب ثم يطيح بها انقلاب آخر. لذلك تتطلب قدرًا كبيرًا
من الحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية. فالحرية الاقتصادية تتطلب حرية
سياسية، والواقع الفعلي غير ذلك. إذ تؤيد الدول الكبرى في المركز أبشع أنواع نظم
الحكم الاستبدادي والتسلطي في الأطراف، الحكم العسكري والملكي والقبائلي العشائري،
وتحقق غاية العولمة الاقتصادية دون متطلباتها السياسية، بل وتشجع بعض أنظمة
الحكم المنتسبة إلى الإسلام مادامت تؤمن بالحرية الاقتصادية وموالية للغرب مثل أفغانستان
وشبه الجزيرة العربية وتعادي نظمًا إسلامية أخرى معادية للهيمنة الغربية مثل
إيران والسودان. تؤيد النظم الغربية الإسلام المحافظ ؛ لأنه يؤمن باقتصاد السوق،
وتعارض الإسلام التقدمي، لأنه يؤمن بالاستقلال الوطني وسيطرة الدولة على قطاعات
الإنتاج الكبرى حماية لمحدودي الدخل، كما هو الحال في الملايو، وتؤيد اقتصاد
السوق المناهض للحركة الإسلامية كما هو الحال في تركيا.
|
عولمةُ الثقافةِ (لحسن حنفي)
عولمة الثقافة*
(لحسن حنفي)
العولمة لها ثقافتها، وهي ثقافة غير مكتوبة، قيمها
مبثوثة عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، بل وعبر أساليب الحياة اليومية
في الطعام والشراب والكساء والمواصلات والهاتف والتلفاز ونظم التعليم وفرص العلم
والمعرفة باللغات الأجنبية وطوابير الهجرة على أبواب السفارات الأجنبية للدول الصناعية
أي ثقافة التدويل. فالإنتاج الثقافي وتوزيعه أصبح الآن بيد الشركات الكبرى في
المركز، والحقيقة هي ما ينشره الخبر. الحقيقة (Truth) هي طريقة روايته (Truth- Telling). تحولت الثقافة من المكتوب إلى المقروء،
من الرواية والسرد إلى الوسائل السمعية والبصرية الحديثة. أما من حيث المضمون
فثقافة العولمة هي ثقافة الكسب السريع والإيقاع السريع، والتسلية الوقتية،
وإدخال السرور على النفس، وملذات الحس، وإثارة الغرائز، ثقافة (الجريء
والجميلات) و (دالاس) وليس ثقافة (أوشين) التي يمكن أن تنال إعجاب الجمهور في
العمق على الرغم من أمركة الثقافة في السطح، فالعولمة هي الاسم الحركي للأمركة.
وتهبط هذه الثقافة الاستهلاكية في الثقافة التقليدية فينشأ الخصام الثقافي بين
قديم مغلق، وجديد تابع ويضيع الإبداع الثقافي بين المطرقة
|
أهميةُُ الصمتِ (لزكريا إبراهيم)
أهمية الصمت *
(لزكريا إبراهيم)
قد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال يوماً لعمه العباس: "يعجبني جمالك". قال وما جمال الرجل يا رسول
الله؟ قال: "لسانه". وهكذا كان جمال الرجل في رأي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وثيق الصلة بفصاحة لسانه، ورجاحة عقله.
وإلى هذا المعنى ذهب الإمام علي كرم الله
وجهه حين قال:" لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه".
والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة وروية، والأحمق تسبق سقطات
لسانه مراجعة فكره. فكان لسان العاقل تابعًا لقلبه وكان قلب الأحمق تابعًا
للسانه.
ولعل هذا ما عناه الجاحظ حين قال:"
إن للكلام غاية، ولنشاط السامعين نهاية، وما فَضُل عن الاحتمال ودعا إلى
الاستثقال والملال فذلك هو الهَذَر. وإن ابتغيت الصمت فاعلم أن للصمت ضروبًا،
فقد ورد في امتداحه أقاويل منها:" أن رجلًا سأل أحد حكماء العرب متى أتكلم؟
فقال : إذا اشتهيت الصمت. وعاد الرجل يسأله ومتى أصمت؟ فقال: إذا اشتهيت
الكلام".
|
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية: ...
-
السؤال الأول صـ22ــ 1- المسند : له / المسند إليه : ملك السموات / المتعلقات : والأرض ، على كل شئ . المسند : يحيي ، يميت / المسند إليه ...
-
عناصر البلاغة : لفظ ومعنى . وفي كتب البلاغيين جدل شديد حول اللفظ والمعنى لمن المزية في الكلام؟ وباعتبار أن البلاغة تتمثل في النص...
-
اعلم أن الأدب معرفة الأحوال التي يكون الإنسان المتخلق بها محبوبًا عند أولي الألباب الذين هم أمناء الله على أهل أرضه. من القول في موضعه ...