الأربعاء، 8 فبراير 2017

ثقافةُ العولمةِ (لبرهان غليون)

     السؤال هل نحن في اتجاه تكوين ثقافة عالمية واحدة تخضع للتمايز في داخلها بين ثقافة شعبية وثقافة طبقة سائدة نخبوية، أم في اتجاه صراع بين ثقافة نخبوية مسيطرة مرتبطة بسيرورة العولمة، وثقافات وطنية محتفظة بديناميكيتها، ومستمرة في مقاومة ثقافة العولمة؟
     نحن في اعتقادي في صدد عمليتين متوازيتين معًا؛ تتبع الأولى خط نشوء ثقافة عالمية تشكل الموارد المشتركة للنخبة الدولية التي سوف تدمجها الشبكات والقطاعات للعولمة، وتنشر فيها القيم والسلوكيات وأنماط التفكير ذاتها، وتفصلها- بالتالي- عن الجسم الرئيسي للمجتمعات التي تنتمي إليها. أما العملية الثانية فتتبع خط التمايز والصراع المتزايد بين الثقافة المعولمة الجديدة، ثقافة العولمة، والثقافات المحلية والإقليمية التي سوف تفقد طابعها الوطني أو القومي التقليدي، وتخضع لعاملين متناقضين: الانفتاح في اتجاه الدائرة الحضارية المشتركة التي تضم العديد من الدول القومية، مثل ما يبدو من العودة للمرجعية العربية والإسلامية، والانغلاق في اتجاه الربط مع التقاليد المناطقية والأقومية والعشائرية والمذهبية في الوقت نفسه. وتتوقف خطوط التقاطع والتمايز بين هذه المستويات الثقافية المتعددة بصورة رئيسية على الشكل الذي سوف يأخذه تقسيم العمل الدولي في إطار العولمة، وفي إثره تكوين خطوط التضامن والتحالف والتفاعل بين الجماعات.
     وسوف تتخذ المعركة بين الثقافتين: المعولمة، وتلك الناشئة عن إعادة تنظيم الموارد الثقافية المحلية على أسس إقليمية، اتجاهين أساسيين: الأول؛ هو تأكيد استقلالية الثقافات الإقليمية عن الثقافة المعولمة، والثقافات الكبرى المسيطرة في سياقها. وهو ما يمثله الرفض الذي سوف يستمر ويزداد لمبدأ الهيمنة الثقافية والعالمية الكاذبة والكسموبوليتية(1). والاتجاه الثاني: هو إثبات أصالتها أو قدرتها على إبداع حلول مختلفة وناجعة للمجتمعات المرتبطة بها، وبالتالي على رفض الحلول الاقتدائية والمستنسخة عن الثقافة الكبرى.
       يعني هذا أن هناك تحديين رئيسين يواجهان الثقافات المسيطر عليها اليوم الأول: هو تحدي الاستسلام والتسليم الذي يؤدي إلى الانحلال والتفكك والالتحاق من دون شخصية ولا برنامج ولا مشاركة إيجابية بالثقافات المسيطرة. والثاني: هو البقاء في مستوى الرفض والاحتجاج، وبالتالي التحول حتمًا إلى ثقافة مضادة لثقافة العولمة، ولكنها من الطينة نفسها وعلى أسس واحدة وإن كانت مقلوبة. ونحن في العالم العربي لا نزال- على مستوى الحركة العامة الغالبة على الأقل، والظاهرة أيضًا - نعيش في مرحلة هذا الرد الاحتجاجي على صعود ثقافة الهيمنة والعولمة التي تهمشنا أو تهدد بتهميشنا التاريخي، وتهميش ثقافتنا. وهذا يفسر أن المرجعية الرئيسية التي تتخذها إعادة تشكيلنا لثقافتنا العربية الإسلامية- كثقافة جديدة لعصر العولمة- هي مرجعية إسلامية، نعيد من خلالها تأويل الإسلام تأويلًا هيمنيًا في اتجاه مماثل تمامًا في الجوهر لنماذج الهيمنة الشمولية التي تفرزها الثقافة التي نحتج عليها.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليق

السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:

  بسم الله الرحمن الرحيم السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته. لمن يريد الإطلاع على أبحاثي العلمية المنشورة يمكنه من خلال الروابط التالية:  ...